كان الظلام دامس و السماء ماطرة و الجو صريم .. و
كنت أسير باتجاه شجرة التين التي تقف شامخة في نخل ابن
مريفض .. حيث أن حبيبتي و حوريتي نورة كانت تنتظرني
هناك .. فلما أقبلت عليها كانت كاللؤلؤة التي لم تمسها
يد الملاقيف بعد .. كان المطر قد بلل شوشتها فانساب
شعرها الحريري على كتفيها الرقيقين .. الذيّن هزتهما
فرحا مع بسمة من فمها الوردي الصغير ترحيبا بقدومي ..
وصلت إليها فوقفت مرحبة بي باستحياء وهي تحاول أن
تفضفض ملابسها التي التصقت بجسدها النحيل نتيجة تبللها
بالمطر .. لم أنظر إليها طويلا ( أيه هين ) .. حيث
ذهبت لأجمع بعض الحطب ثم أشعلت نارا وضعت فوقها براد
الشاي و أخذت منها بعض الجمر لأشعل رأس المعسل ..
ثم قلت لنورة و أنا انفث دخان المعسل في خشتها : يا
روح جسدي و نبض فؤادي .. قسم بالله ما صارت .. إلى
متى و أنتم كذا .. كلما قلت لأهلك زوجوني قالو مهوب
هالسنة السنة الجاية .. إلى متى بس ؟؟
ردت علي بنبرة حزن وهي تنفض الدخان : يا فارس أحلامي
و منتهى مرادي .. أفرح و الله أتزوجك الحين بس عاد وش
أسوي بأمي .. أمي تسحلتن بك .. ما تبيك ما تطيق شوفتك
قلت لها و أنا أمد لها كأس من الشاي الساخن وضِع معه
قليلا من حليب بوني : و الله يا أمك ذي أنها علة نحر
.. الله يلعنها و بس .. أن طختها منكدة علي عيشتي في
ذا الديرة .. تعبت مع ذا العجيز و أنا أحاول اثبتلها
اني بطل و أني أستاهل بنتها لكنها ماش .. الظاهر
أخرتها أبفقع وجهها ببقس عشان تدري من أنا ..
قالت لي نورة بلهجة شديدة : هيه .. هيه .. هيييييه
.. ورى ما تاكل تبن .. ترى ذي أميمتي .. و بعدين الله
لا يلومها فيك .. ترى أخس عيال الديرة أنت .. اللي
يدرس في الكتاتيب و اللي حفظ نص القرأن .. إلا أنت
مسنتر مع شلة الفساد و حتى صورة الفاتحة ما حفظتها ..
بالله وش تبيها تحبك عليه ؟؟
قلت لها بلهجة واثقة : أسمعي يا بنت الأجاويد .. ترى
الدراسة مهيب كل شي .. انتي تدرين أني دبشة و مالي في
الدراسة .. و عشان كذا انا أشتغل مع أبوي في مزرعته و
الحمد لله الحال ميسورة .. و بعدين الله لو أني خاطب
مارغريت تاتشر عشان تقعد تشرط أمك علينا .. خاطب
كسيرة بنت ماصلة و لا تعرف تسنع شي ..
وقعت عليها تلك الكلمات كالصاعقة فوضعت كأس البوني
أرضا و قالت لي بعصبية : أجل هذا رايك فيني ..
قلت لها و أنا أشد نفسا عميقا من الشيشة : بصراحة
أيه .. ما تشوفين البنات اللي يطلعن في التلفزيون
وشلون حلوات و زيون ما تشوفين فردوس عبدالحميد و تحية
كاريوكا.؟؟ .. مهوب مثلك من عرفتك و أنتي بها القميص
البني و هالصروال الأصفر اللي لابسته حدره !!
قالت لي وهي تكاد تبكي غيظا : اجل وين كلامك اللي
قلته عني قبل كذا .. أني أحلا وحدة شفتها بحياتك ..
قلت لها و أنا ارتشف الشاي : و أنا يا أخيتي كم وحدة
شفتها في حياتي .. مهنا إلا أنتي .. المهم بس تبين
شاهي ..
جلست تنظر إلي بنظرات صارمة .. ثم مالبثت أن دمعت
عيناها .. ثم قامت من مكانها وهي تغطي وجهها بيديها
الرقيقتين ... ثم جرت كالغزال بإتجاه بيتها .. و أنا
أناديها .. و لكن لا يرد علي إلا صوت المطر و أزيز
الرياح .. ثم قلت في نفسي .. بالطقاق اللي يطقها و
الله العظيم أبسبك و لا أبي أحدن يسبني .. تف عليك و
على أمك .. لا و يقالك اليوم تبي تكشخ عندي لابسة
قميصها الأحمر و صروالها الأزرق .. لعنت الله على
بليسكم ..
و هكذا سارت تلك الليلة مستظلا بشجرة التين عن زخات
المطر .. حائرا ما بين الهواجس و الحلطمة و البرطمة في
نورة و أمها و ما بين تفكير في كيفية مراضاتها .. ثم
ذهبت لبيتي لأخمد استعدادا ليوم جديد ..
( قم قامت عصبك و تحنت ركبك .. قم في وجع ) كانت تلك
هي الكلمات التي أستقبلت بها اليوم الجديد من والدي كي
اذهب معه إلى الحقل ..
لبست ملابسي ثم أكلت ما تيسر من التمر و اللبن ثم
سرت خلف والدي إلى مزرعتنا كي نبدأ عمل يوم جديد .. و
في الطريق صادفت نورة وهي تسير خلف أمها فبدأت ارمقها
بنظرات حانية و لكنها لا تبادلني إلا نظرات الحقد و
الكره و الرغبة في الانتقام التي كانت بادية على
ملامحها ..
و صلنا الحقل و بدأت مع أبي عمل يوم جاد .. و فجأة
!!!
لخت حصاة في دمجت أبوي .. فسقط أرضا و بدا يصرخ
صراخا هستيريا و الدمان تخرخر من جبهته .. ركضت مسرعا
تجاهه ثم انحنيت عليه لأتفحص جرحه الغائر .. ثم قصصت
قطعة قماش من صروالي السنة كي أضمد به جرحه .. لكن أبي
رفض ذلك رفضا قاطعا بحجة أن صروالي مهنا بأخيس منه و
قال لي بالحرف الواحد " و الله و أنا أبوك تلوث
البكتيريا جرحي و لا يلوثه صروالك " .. المهم في
الموضوع أني حملت أبي على كتفي و سرت به إلى البيت و
في الطريق رمقت نورة و هي تبتسم أبتسامة شريره (
نيههها نيههها ) و معها نبيطة تثبت تورطها في الموضوع
..
سارت الأيام و تماثل والدي للشفاء إلا من صعرور صغير
ازدانت به جبهته الكبيرة .. و لكن حقدي على نورة لم
يزل مشتعلا في قلبي ولم أرغب البوح به أو الانتقام من
أجله ..
و في يوم من الأيام و بينما أنا أسير في إحدى طرقات
قريتنا الحالمة إذ لخني أحدهم بالعجرا مع دمجتي من ورا
.. فسقطت أرضا و لم المح و أنا ملقي على الأرض إلا
صروالا اصفرا لا تخطئه عيني لُبس تحت قميص .. إنه
صروال نورة .. ثم أغمي علي ..
أفقت من غيبوبتي و أنا على سريري .. و ما كدت أفيق
حتى بدت فكرة الانتقام ماثلة أمام عيني .. و لذا هممت
بمغادرة السرير إلا أن أمي ضمت رأسي إلى كنفها الحنون
و قالت " الله لا يجزا اللي مكفخك خير .. منهو اللي
طاقك و أنا أمك .. علمني منهو و أنا أحوس مريره .. "
لكني حرصت أن يمرق الحدث بهدوء حتى أخطط للانتقام
بهدووووء ..
مرت الأيام و الليالي .. و بينما أنا أعمل في حراثة
الأرض بجد و اجتهاد إذ لمحت شخصا ما يقف خلف شجرة
الكينة اللي بين مزرعتنا و مزرعة أبن صنيتان .. تسللت
إليه من الخلف بهدوء و أنا أمسك طرف ثوبي بيد و الكريك
باليد الأخرى .. ولما أقتربت كثيرا و لمحت الشخص فإذا
به نورة وهي تضع حصاة في النبيطة رغبة منها في سف
الحصاة في جبهتي .. أقتربت منها أكثر .. و ما كدت أكون
على بعد سانتيات قليلة .. حتى قلت لها " تبين مساعدة
يالأخت " .. ألتفتت إلي مذعورة .. و لكنها ما كادت
تلتفت حتى عاجلتها بضربة من الكريك على قفاها فسقطت
أرضا .. و ما كادت تسقط حتى أخرجت المحش من محزمي كي
أغرسه في بطنها إلى أنها استدارت فاتت الضربة على
الأرض .. ثم ولت هاربة .. فنفضت ثوبي و أنا أقول "
لعنت الله على منهو يحبك .. مهيب صاحية ذا البنت " ..
انتهت هذه الحادثة و قد حلفت أن أنتقم من هذه
المجنونة بأية طريقة ممكنة .. و لذا طنت فكرة في رأسي
.. و ذهبت لأنفذها مباشرة .. حيث جلست ابحث طوال اليوم
عن ثعبان سام كي أنطله في وسط غرفتها .. و لذا ذهبت
للنفود كي أبحث عن ثعبان من نوع " أبوجنيب " .. و
تكللت مجهوداتي بالنجاح حيث تمكنت من اصطياد إحداها ..
و لما جن الليل ذهبت متسللا إلى بيتهم و لما اقتربت من
نافذة غرفتها قذفت بالثعبان ثم حطيت رجلي إلى بيتي ..
استلقيت على سريري .. و أنا أداعب أنفي بعنف و أقول
في نفسي " وش تلقى نورة ألحين .. خخخخخ .. تلقى السم
واصلن لشوشتها .. نبي نرتاح من هالمهبولة .. قوه نروح
نشوف وش صار .. تدري بس انثبر الله من حب الخبر " ثم
غططت في نوم عميق ..
و لما أشرقت شمس الصباح و أيقظني أبي بكلماته
الحانية ذهبت و أنا سعيد لفتح النافذة لأشم قليلا من
الهواء على عادتي .. إلا أن المفاجأة كانت قاصمة
بالنسبة لي .. حيث رأيت الثعبان معلقا على طرف النافذة
و قد فارق الحياة أثر عضة شديدة أدركت تماما أنها عضة
نورة .. قلت في نفسي الله يعيننا على ذا النورة هالحين
وش يبي يفكنا من قشرها ..
و لذا ذهبت إلى الحقل و أنا في غاية القلق .. و بدأت
عملي و القلق قد أخذ مني كل مأخذ .. و بينما أنا أعمل إذ لمحت ظلا يقترب من خلفي .. التفت مباشرة و إذا
بنورة تهوي علي بعجرا كبيرة .. و لكن و بحركة فطرية
مني تفاديت تلك العجرا بالكريك .. و هكذا بدأت معركة
طاحنة بيني و بين نورة ..
كانت المعركة متكافئة إلى حد كبير .. حيث أن نورة
معها عجرتها وانا معي كريكي ..واحتدمت المعركة بيننا وفجأة ونحن في خضم المعركة اذ بنورة لابارك الله فيها تهرول مسرعه بإتجاهي وانا بدوري اسرعت اليهاوترتفع نوره عن الارض ملوحة بعجرتها الغبيه وانا بكريكي العزيز
وفجأة والقى الدنيا تتوقف ونحن معلقين على الهوا وفجأة تدور الدنيا نص دوره (زي فيلم دا ماتركس) وفجأة تعود الدنيا للحياة والا وانا اضرب نوره بـ كريكي وتطير نوره وترتطم بشجره ضخمه وعند هذا الحد تنتهي المعركة وتصاب نوره ..وتقدمت الى نورة واخرجت قطعة من سروالي وضمدت به جراحها وبعدها وقفت متأملا وجه نوره ورفعت كريكي وضربتها ضربه رجل واحد (ضربه معلم) فاذا بدمها يسيل على سروالها الاصفر الباهت
ولا زلت اتذكر تلك السعادة التي غمرتني وانا انظر الى دمها اللي يسيل وانا اردد "العبيطة اهئ ,العبيطة اهئ" واخرجت عود كبريت من جيبي لاحرق الشجرة واحرقها واحرق اليوم الاغبر اللي تعرفت فيه عليها وارتاح
واشتعلت الشجره , وبدأت نورة بالصياح والنباح وهي ترجوني وتطلب مني مساعدتها لكن هيهات هيهات(هيهات انا اهوى يا عمري)
اجبتها بكل حقد وانانيه :ضفي وجهك تستاهلي تف عليكي وعلى اللي يحبك
هاهاهاهاهاهاها <==== (ضحكه شرانيه تدل على الشر المكبوت في قلبي)
انهرت للحظة وانا ارى النيران تأكلها وهي تلفظ انفاسها الاخيرة...لكني تذكرت
خبطه العجرا وجرح ابوي ومحاولة اغتيالي
فتركت الحقل يحترق ونورة موجودة فيه ...وانا اغني اغنيه"شومي ذا مينينج اوف بيينج لونلي"