فلما دخلوا علي يوسف ومعهم بنيامين أخذه إليه وقال : إنني أخوك فلا تخف ، لكن لا تخبر إخوتك بهذا الآن .
وأخبره أنه سوف يدعي لأنه سرق حتى يستبقه معه إلي حين إحضار والديه إلي مصر ، فقبل بنيامين تلك التهمة محبة في أخيه ، وترقباً لجمع شملهم جميعاً . فأمر يوسف مساعديه أن يخفوا داخل متاع بنيامين صواع الملك ( الكأس أو المكيال ) الذي يشرب بها وكان يكيل بها القمح ، وكان مرصعاً بالجواهر .
أخذ إخوة يوسف كيلهم ووضعوها علي الجمال واستعدوا للرحيل فنادى عليهم أحد أعوان يوسف : لقد سرقتم صواع الملك ، ومن يحضره لنا سوف نعطيه مكافأة حمل جمل من الطعام .
فقالوا : نحن أبناء نبي الله يعقوب ، ونحن لا نسرق والله ما جئنا لنفسد في الأرض .
فقال المنادى : ما الجزاء إذن إذا وجدنا الصواع مع أحدكم ؟
قالوا : جزاؤه أن تأخذوه وتحبسوه عندكم ، ويصبح عندكم عبداً .
أمسك يوسف بأوعيتهم ففتشها ثم فتش وعاء بنيامين واستخرج منه المكيال ( الصواع ) .
فقالوا له : لقد سرق مثل أخيه الذي سرق من قبل ورحل عنا .
فتأمل يوسف في نفسه ما قالوه عنه واتهامهم له بالباطل ، وقال : أنتم أسوء مكانة تفترون الكذب والله أعلم إنكم تكذبون .
لكنهم تذكروا وعدهم وقسمهم لأبيهم بألا يعودوا إلا ببنيامين ، فأخذوا يترجون يوسف ويقولون له : خذ أحدنا بدلاً منه لأن والده شيخ كبير .
قال لهم يوسف : معاذ الله أن نأخذ إلا من فعل ذلك .
خرج إخوة يوسف من عنده متجهين إلي أبيهم ، فقال أكبرهم : لن أمضي معكم ولن أذهب إلي أبي لأنني وعدته ألا نعود إلا ومعنا بنيامين ، فلن أرجع إلا إذا أذن لي أبي ، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ، ارجعوا إلي أبيكم وقولوا له إن ابنك سرق ولو كنا نعلم الغيب ما كنا أخذناه معنا ، واسأل القافلة التي كانت معنا .
فلما عادوا إلي أبيهم سألهم عن بنيامين ؟ فقصوا عليه القصة ، فقال لهم : لقد فعلتم به مثل ما فعلتم بأخيه من قبل .
لم يصدقهم ، لأن من عرف عنه بالكذب لا يصدقه الناس حتى لو كان صادقاً .
يوسف يأخذ بنيامين
ويفقد بصره حزناً
حزن يعقوب حزناً شديداً علي يوسف وبنيامين ، وظل يبكي حتى فقد بصره :
( قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون ) ولكنه لم يفقد الأمل في عودتهم جميعاً يوسف وبنيامين وراويين ، فقال لهم : ارجعوا إلي مصر وانضموا إلي أخيكم وابحثوا عن يوسف .
كأن يعقوب يثق في الله .
( الثقة في الله تحي الأمل في النفوس وتذهب الأسى والغم عنها ) .
رجع إخوة يوسف إلي مصر يترجون يوسف أن يعفو عنه ، لأن والده قد كف بصره .
فقال لهم يوسف : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ؟
قالوا وقد تعجبوا بشدة : أإنك لأنت يوسف ؟
قال لهم : أنا يوسف وهذا أخي ، أحسن الله إلينا ورزقنا الطاعة والصبر علي ما كنتم بنا تفعلون.
قالوا : لقد فضلك الله علينا ووهبك ما لم يهبنا ، ولقد أخطأنا معك وها نحن أمامك فانظر ماذا تفعل بنا ، فأرفق بنا ولا تأخذنا بانتقامك منا .
قال : لن أعاتبكم علي ما مضي ، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .
ثم أمرهم أن يأخذوا قميصه ويذهبوا إلي أبيهم فيضعوه علي عينيه يرجع بصيراً من جديد ، ثم يأتوا بأهلهم جميعاً إلي مصر .
لما خرجت القافلة ، ثم بأهلهم جميعاً إلي مصر .
لما خرجت القافلة ، وصلت يعقوب رائحة يوسف فقال :
( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) " يوسف : 94 " .
فقالوا له : سنظل تذكر يوسف ، وأين هو يوسف لا وجود له .
لما وصل إخوة يوسف ووضعوا القميص علي وجه أبيهم رد بصره في الحال إليه ، بأمر الله .
فقال يعقوب لهم : ( ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ) " يوسف : 96 " .